سحرة فرعون (نوعان من السحرة)
لم أجد أحدا اهتدى لهذا المعنى الذي أنا سأذكره الآن في أن السحرة المذكور خطابهم في القرآن نوعان من السحرة :
(١) السحرة المذكورون في سورة الأعراف (أكابر السحرة المقربون من فرعون والمعرفون له)
(٢) السحرة المذكورون في سورة الشعراء (أصاغر السحرة وعوام السحرة المجاهيل عند فرعون)
والدليل على ذلك السياق القرآني في السورتين:
(١) أكابر السحرة أرسل إليهم وأصاغرهم بعث إليهم :
قال في الأعراف (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيم)
وقال في الشعراء (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٣٦)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ)
فرعونأرسل رسالة للكبار مع رسل بعثهم إليهم أما أصاغر السحرة فجمعهم ولم يختصهم برسالة وهذه عادة الملوك في خطاب الكبار برسالة ورسول، أما العامة والأصاغر فيبعث من يجلبهم دون رسالة..
(٢) كبار السحرة دخلوا على فرعون وصغارهم جمعوا ولم يدخلوا
قال في الأعراف (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا ) أي لما جاؤوا دخلوا عليه وهذا مشعر بعلو منزلتهم فهم جاؤوا إلى فرعون رأسا
وفي الشعراء ( فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ) لم يدخلوا عليه مباشرة بل وصفهم قبلها (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي لما بعث لهم وجاؤوا جمعوا ثم أدخلوا على فرعون ثم تكلموا معه ..
(٣) الفرق في الوصف بالسحر
وصف الأكابر في الأعراف فقال (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ)
ووصف الأصاغر في الشعراء (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ)
والوصف بساحر - خلافا للشائع- أبلغ من سحار وما بعث اللي نبي في قوم فاتهموه إلا قالوا ساحر ولم يقولوا سحار : ( وقالوا ساحر كذاب) (قالوا ساحران تظاهرا) (إن هذا لساحران) (إن هذا لساحر مبين)
فالساحر أبلغ من السحار لأن السحار كثير عمل السحر فهي صيغة مبالغة في الكم والعدد دون الكيف والوصف..
(٤) طريقتا خطاب فرعون
الأكابر خاطبوه فقالوا (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ)
جزموا بالأجر إن غلبوا وشددوا عليه وأكدوا بإن المؤكدة ..
أما الأصاغر فسألوا الأجر سؤالا (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ) كأنهم خافوا الجزم فسألوه تعريضا بهمزة الاستفهام أئن؟!
(٥) جواب فرعون عليهما
أجاب الأكابر بقوله (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي لكم أجر كما جزمتم وأنتم بالفعل من المقربين
وأجاب الأصاغر بقوله (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِين) أي لكم اجر وستصبحون عندها من المقربين وهذا دليل على أنهم ليسوا مقربين بعد..
(٦) وصف سحر الفريقين
سحر الأكابر سحر عظيم (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)
وسحر الأصاغر لم يوصف (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُون) لم يعظم سحرهم..
(٧) كلام السحرة عند الإلقاء
الأكابر لم يعظموا فرعون (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) لأنهم يعلمون أنهم بشر ضعيف لطول مخالطتهم له وقربهم منه
صغار السخرة نافقوا فرعون وقالوا (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ )
(٨) اتهام فرعون للسحرة بعد الإيمان
اتهم الأكابر بالانقلاب عليه (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)
ولم يتهم الأصاغر بشيء (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ )
(٩) جواب السحرة
أجاب الأكابر (قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥)وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)
وأجاب الأصاغر (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (٥٠)إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ)
الأكابر جادلوه في قوله بقولهم (وما تنقم منا..) وسألوا الله الصبر والثبات ليقينهم بتشدد فرعون في عذابهم والأصاغر لم يجادلوا وسألوا الله المغفرة..
(١٠) صفة عذاب الفريقين
قال في الأكابر (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)
وفي الأصاغر (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)
أخبر أنه سيقطع أيدي وأرجل كبار السحرة ثم يصلبهم أما الصغار فيقطع أيديهم وأرجلهم ويصلبهم
استعمال (ثم ) مع الكبار لتدل على التراخي بين التقطيع والصلب نكاية ومبالغة في التعذيب ولم يستعملها مع الصغار ..
وهذا دليل على شدة عذاب الأكابر والمبالغة فيه...
(١١) آمنتم به ، آمنتم له
قال في الكبار (آمنتم به قبل أن آذن لكم)
وقال في الصغار (آمنتم له قبل أن آذن لكم)
آمن به أبلغ وهو النافع والمأمور به (فآمنوا بالله ورسله)
آمن له أقل درجة (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)
(١٢) القول في انغلاب السحرة
قال في الأكابر (ْفَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ )
قوله هنالك دليل على أنهم اعتادوا الانتصار لتمكنهم من السحر وأن الغلبة هنالك من موسى فذة غريبة ولم يذكر مثل ذلك في صغار السحرة في سياق سورة الشعراء...
والله أعلم